--------------------------------------------------------------------------------
لمشهد التاسع :
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )( يوسف 22 )
آية واحدة تضم مشهدا تتابع فيه اللقطات الحركية (فوتومونتاج ) بلا حوار ، توجز انتقال يوسف من مرحلة الصبا إلى الشباب وقد اكتمل عقله وعلمه وأدرك وضعه وماضيه ، مع صوت الراوى يقول (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ).
المشهد العاشر : (ليل داخلى ـ داخل قصر العزيز )
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي )( يوسف 23: 26 )
هنا مشهد طويل ملىء الصراعات النفسية المكتوبة والظاهرية العلنية .
وفيه لقطات متتابعة وانتقالات تتم داخل بيت العزيز ..
1 ـ تبدأ اللقطة الأولى بامرأة العزيز تتأمل يوسف هائمة ولهانة .
2 ـ تقترب منه و تتحسسه وتراوده وهو ينفر منها ، ويعرض عنها فتزداد الحاحا .
3 ـ تغلق الأبواب من الداخل وتدعوه إلى نفسها صراحة (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ )ويرفض قائلا (مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )
4 ـ تستمر فى ملاطفته فتتراخى مقاومته ويبدأ فى الاستجابة لها
5 ـ يتذكر والده ، تظهر امامه صورة والده ، فينتفض متحررا من رغبته الجنسية ، 6 ـ يتخلص منها ـ ويفر هاربا نحو الباب ليفتحه بينما تسابقه هي إلى الباب لتمنعه من الخروج ، ويتنازعان وتتعلق هى بقميصه فيتمزق فى يدها.
7 ـ ينفتح الباب ويفاجأ يوسف والمرأة بالزوج أمامها .
5 ـ تسارع المرأة باتهام يوسف لتبرئ نفسها ، ويدافع يوسف عن نفسه .
المشهد الحادى عشر : ( ليل داخلى : حجرة فى قصر العزيز )
( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ) ( يوسف 26 : 29 )
مشهد لجلسة محاكمة عائلية داخلية ، نفهم منه تطور النزاع بين الزوج و الزوجة بشأن يوسف مما إقتضى تدخل أهل الزوجة ، فتعقد جلسة ويأتي شاهد منهم ليحكم في الموضوع ، ويحكم بأن موضوع تمزيق القميص هو الفيصل ، ويتأكد الجميع من براءة يوسف ، وينصحها الشاهد الحكم بأن تستغفر من ذنبها وينصح يوسف بالأعراض عنها ..
نلاحظ هنا الانتقال السريع فى آية واحدة من مشهد امرأة العزيز وزوجها يضبطها مع يوسف الى مشهد أخر تقام فيه محكمة للتحقيق فيما حدث: (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ .. ) هناك أحداث بين المشهدين أهملها السياق لأنها مفهومة ولا تستحق الذكر ، وليدل أيضا على سرعة تصرف الزوج بأن بادر باستدعاء قريب الزوجة ليفصل فى الموضوع .
المشهد الثاني عشر : (فوتومونتاج )
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) (يوسف 30 )
وفي لقطات متتابعة وفى حجرات وايوانات فخمة مختلفة فى المكان والزمان تثرثر النسوة المترفات في المدينة بقصة امرأة العزيز مع فتاها وعشقها له ومراودتها له عن نفسه ، وانكارهن عليها .
وهنا أيضا أحداث تجاوزتها الدراما ، فهذا الموضوع السّرى وجد طريقه للانتشار فى الخارج عبر خادمات قصر العزيز اللواتى أفشينه الى صديقاتهن ورفيقاتهن فى القصور الأخرى ، وسرى الهمس بين القصور وفى الأسواق وفى جلسات النميمة النسائية . ومن الممكن للسيناريست ان يتوقف هنا ببعض المشاهد فى فوتومونتاج سريع .
المشهد الثالث عشر (ليل داخلى )( صالة فى قصر العزيز، وحجرة ملحقة بالصالة)
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ) ( يوسف 31 : 33 )
وفيه عدة لقطات سريعة الايقاع ..
1 ـ الأخبار تصل إلى أمرأة العزيز بما تقوله أولئك النسوة عنها ،اى بعض صديقات إمرأة العزيزة ممن يتسمعن الأخبار بل ويشاركن فى النميمة يأتين بأخبار ما يقال عنها فى المدينة ، وهى تتسمع لكل منهن فى غيظ وتعتبره مكرا وكيدا : ( فلما سمعت بمكرهن )
2ـ إمراة العزيز تسارع بأن ترسل إليهن تدعوهن إلى وليمة واحتفال نسائي خاص ( أرسلت اليهن) وبالتالى نرى خادمات إمراة العزيز كل منهن تأخذ رسالة من سيدتها لايصالها الى اولئك النسوة .
ومفهوم ان كل خادمة أوصلت الدعوة لكل واحدة من أولئك النسوة ..وهذه الجزئية أغفلتها الدراما القرآنية لأن ما قبلها وما بعدها يشى ويشير اليها .
3 ـ نفس الخادمات يقمن تحت إشراف إمرأة العزيز بتجهيز قاعة فسيحة بآرائك مريحة للضيفات القادمات( واعتدت لهن متكئا ).
4 ـ ومفهوم أنهن جئن وجلسن على الارائك ووزع الخدم عليهن أطباق الفاكهة، وقد تجاوزته الدراما القرآنية ، ولكن ركزت الدراما القرآنية على شىء ذى دلالة وهو قيام إمرأة العزيز بنفسها باعطاء كل واحدة منهن سكينا لتقشر بها الفاكهة : ( وآتت كل واحدة منهن سكينا ) . ويمكن للسيناريست أن يصور استقبال إمرأة العزيز لهن واحدة واحدة،والخادمات يحطن بهن بعد جلوسهن يقمن على خدمتهن ، ولكن يتم التركيز على إمرأة العزيز وهى تقوم بنفسها بإعطاء كل واحجة منهن سكينا.
5 ـ ونفهم من قوله تعالى بعدها مباشرة : (وقالت أخرج عليهن) أنه أثناء انشغالهن بالثرثرة والحديث وأكل الفاكهة بالسكين تركتهن امرأة العزيز وخرجت من الصالة ودخلت إلى حيث يجلس يوسف فى القاعة الملحقة بالصالة وأمرته بالدخول على اولئك النسوة ، وكل تلك الوقائع يعبر عنها القرآن بكلمة واحدة ( وقالت أخرج عليهن ) .
الجمال فى الصياغة الدرامية هنا أن التركيز على إمرأة العزيز فى تحركاتها حيث أنها بطلة ذلك المشهد والعنصر المتحرك فيه ، لذلك يتابع السيناريو حركتها لأنها هى التى تمسك بخيوط الأحداث لترد على تآمر النساء بمكر أشد.
ولذلك فان تجاهل الأحداث الأخرى الخاصة بالنساء المترفات ليس فقط لأنها مفهومة من السياق ، ولكن أيضا لأهمية التركيز على البطل المؤثر هنا فى تلك المشاهد ، وهى إمرأة العزيز .
6 ـ النسوة في انشغالهن بالثرثرة وأكل الطعام بالسكين يفاجأن بيوسف يدخل عليهن ، ويشهقن بالانبهار من جماله ويستغرقن في إلتهام ملامحه بعيونهن ولا يشعرن بأيديهن تسيل منها الدماءوقد جرحتها السكاكين .. وينطقن : جميعا حاش لله ما هذا بشرا ، إن هذا إلا ملك كريم .. وتتدخل امرأة العزيز معلنة انتصارها عليهن فتعترف امامهن بأنها راودته عن نفسه ، وأنه الفتى الذي استحققت اللوم منهن من أجله ، وتتشجع فتهدد يوسف بأن يكون عشيقها وإلا سيدخل السجن ويهان ، وتوافقها النسوة. ويرى يوسف نفسه وليمة لنساء يردن التهامه ولا حيلة له معهن فيلجأ لربه يفضل السجن على الفاحشة . ويرجو ربه أن يصرف عنه كيدهن .
المشهد الرابع عشر (فوتومونتاج )
(فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ) ( يوسف 34 : 35 )
يأتى صوت الراوى بان الله جل وعلا استجاب لدعوة المظلوم يرسف بن يعقوب عليهما السلام . أثناء قول الراوى نرى أحداثا متلاحقة مختلفة الزمان والمكان تصف سريان الإشاعات فى المدينة عما حدث فى ذلك المؤتمر النسائى للسيدات المترفات اللواتى اصابهن جمال يوسف وحسنه بالجنون حتى عقدن العزم على إغتصابه وافتراسه مع زعيمتهن إمرأة العزيز .
صوت الراوى هنا فى محله لأنه يفسر مقدما ـ طبقا لمنهج العظة و العبرة ـ أن التآمر القادم ليعصف بيوسف لا بد أن يؤول الى الخسران طبقا لحقيقة أن الله تعالى غالب على أمره .
وتنتقل لقطات الفوتومونتاج الى نسوة أخريات لم يشهدن جمال يوسف وهن يسمعن عن جماله ، مما يجعلهن يتطلعن إلى مشاهدته ،وتنتقل الى نقلة أخرى حيث يثور التساؤل هل ستنجح امرأة العزيز في التحدي الذي أعلنته وهل سيصمد يوسف ، وتصور اللقطات كيف أصبحت المدينة شعلة من الثرثرة والنميمة . وفى نهاية المشهد يعرف الأزواج بما حدث فيحذر كل زوج امرأته من التجاوب مع امرأة العزيز ، وبالتالى تفشل المؤامرات التى كانت النسوة قد عزمن تنفيذها لاغتصاب يوسف .
على أن وجود يوسف حرا طليقا بجوار امراة العزيز وكرامتها الجريحة وكرامة زوجها من ناحية أخرى تحتم الحكم عليه بالسجن برغم رؤيتهم للايات الناصعة على براءته. وتكون التهمة هى مراودة سيدته على الزنا. اتهموه وهم يعلمون انه الضحية وليس الجانى . أصبح المخرج الوحيد لديهم هو دخول يوسف السجن حتى تخمد تلك العاصفة . التعبير عن هذه الأحداث دراميا يستلزم عدة مشاهد بلقطات متابعة عن اجتماعات مختلفة تضم النسوة معا ، ثم أزواجهن،ومواجهات بين الأزواج والزوجات،وأخرى بين امراة العزيز وزوجها ، وفى النهاية اتفاق يرضى الجميع بادخال يوسف السجن لدفن الفضيحة أو الحقيقة معه ، وينتهى هذا الجزء بيوسف أمام القاضى وهو يحكم عليه بالسجن .
جعلنا كل تلك الأحداث المتلاحقة مشهدا واحدا (فوتومونتاج ) ـ وهو خطأ فى الكتابة الدرامية ، لأن المفروض الاستغناء هنا عن الفوتومونتاج وتكوين مشاهد مستقلة ومتتابعة ، ولكننا هنا لا نكتب سيناريو ولكن فقط نشير الى ملامح الفن الدرامى فى قصة يوسف .
الذى يهمنا هنا أن كل تلك الأحداث والصراعات مركزة في الآيتين (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ) ( يوسف 34 : 35 )
أخيرا :
ونتوقف هنا فى الجزء االثانى عند دخول يوسف السجن ..
وقد استعرضنا مشاهد لمرحلتين من حياته: حياته مع أبيه وأخوته والأخرين في فلسطين وفيما بين فلسطين ومصر، ثم حياته في قصر الرجل الذي اشتراه والذي أصبح عزيز مصر .