الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ورحمة الله للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإن النور من أسماء الله الحسنى قال تعالى: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [النور : 35] فالله نور السماوات والأرض يدبر الأمر فيهما ويهدي أهلهما؛ فهو- سبحانه- نور استنارت بنوره السماوات والأرض وما فيهما.
والنور معشوق ومحبوب ومطلوب لأصحاب النفوس الطيبة والقلوب النقية وهو قيمة عظيمة لا يمكن للبشرية السامية أن تعيش بدونها؛ ذلك لأن النور يبعث الطمأنينة إلى النفس ويبدد المخاوف والأحزان ويعين على القيام بالمهام والأعمال.
هذه خصائص النور الحسي بوجه عام ، وهناك النور المعنوي الذي لا يمكن للإنسان أن يعيش هانئاً سعيداً مؤدياً لواجباته بدونه لأنه مكونٌ من جسد وروح ولكل غذاؤه واحتياجاته، وحاجة الروح إلى النور تفوق كل الحاجات على أن يكون هذا النور حقيقياً ليس وهماً ولا خداعاً..
وهذا النور المعنوي التام الباقي الكافي الشافي هو نور الإسلام. دين الله الذي لا يقبل من أحد أن يدين بغيره قال تعالى :
( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) [آل عمران : 19] أي: الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله, ولا يَقْبَل غيره هو الإسلام, وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية, واتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم, الذي لا يقبل الله مِن أحد بعد بعثته دينًا سواه.
وكمال الإسلام وتمامه في أنه يفي بكل حاجات البشر لأنه منهج الله الذي خلق البشر ولا يستطيع أن يحدد وظائف الصنعة إلا صانعها، ولا يصلحها إلا اتباعُ تعاليمه وإرشاداته.
وهو نور من الله لكل العالمين قال تعالى:
(أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الزمر : 22] أي: أفمن وسَّع الله صدره, فسعد بقبول الإسلام والانقياد له والإيمان به, فهو على بصيرة من أمره وهدى من ربه, كمن ليس كذلك؟ لا يستوون. فويلٌ وهلاكٌ للذين قَسَتْ قلوبهم وأعرضت عن ذكر الله أولئك في ضلال بيِّن عن الحق.
وأسعد الناس من قبل هذا النور ليخرجه الله به من الظلمات قال تعالى:
(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) [البقرة : 257] أي: الله يتولى المؤمنين بنصره وتوفيقه وحفظه يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان والإسلام..
ورسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) بأخلاقه وسنته وسيرته نور قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً) [الأحزاب45 : 46] أي: يا أيها النبي إنَّا أرسلناك شاهدًا على أمتك بإبلاغهم الرسالة, ومبشرًا المؤمنين منهم بالرحمة والجنة, ونذيرًا للعصاة والمكذبين من النار، وداعيًا إلى توحيد الله وعبادته وحده بأمره إياك, وسراجًا منيرًا لمن استنار بك, فأمْرُكَ ظاهر فيما جئتَ به من الحق كالشمس في إشراقها وإضاءتها, لا يجحدها إلا معاند.
وكتاب الإسلام – القرآن الكريم – نور من الله يهدي من الحيرة والشك والتردد إلى الصراط المستقيم قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً) [النساء : 174] أي: يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم, وهو رسولنا محمد, وما جاء به من البينات والحجج القاطعة, وأعظمها القرآن الكريم, مما يشهد بصدق نبوته ورسالته الخاتمة, وأنزلنا إليكم القرآن هدًى ونورًا مبينًا.
- من خصائص نور الإسلام :
· يضيء الطريق إلى الله ومرضاته فإذا كانت أنوار الدنيا تضيء أماكن محدودة فإن نور الإسلام يضيء أعظم الطرق ألا وهو طريق الهداية والفلاح قال تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد)ِ [إبراهيم : 1] أي: هذا القرآن كتاب أوحيناه إليك -أيها الرسول- لتُخرج به البشر من الضلال والغيِّ إلى الهدى والنور -بإذن ربهم وتوفيقه إياهم- إلى الإسلام الذي هو طريق الله الغالب المحمود في كل حال.
· المعيشة في ظلاله هي الحياة الحقيقية.. قال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) [الأنعام : 122] أوَمن كان ميتًا في الضلالة هالكا حائرا, فأحيينا قلبه بالإيمان, وهديناه له, ووفقناه لاتباع رسله, فأصبح يعيش في أنوار الهداية, كمن مثله في الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة, لا يهتدي إلى منفذٍ ولا مخلص له مما هو فيه؟ لا يستويان أبداً· في اتباعه الفلاح والرشاد والفوز بالجنة ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف : 157] أي: الذي لا يقرأ ولا يكتب, وهو محمد صلى الله عليه وسلم- وهذا الوصف شرف له ليُثبت أن ما جاء به هو من عند الله- الذي يجدون صفته وأمره مكتوبَيْن عندهم في التوراة والإنجيل – والكلام عن اليهود والنصارى تحبيباً لهم إلى الإيمان- يأمرهم بالتوحيد والطاعة وكل ما عرف حُسْنه, وينهاهم عن الشرك والمعصية وكل ما عرف قُبْحه, ويُحِلُّ لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والمناكح, ويُحرِّم عليهم الخبائث من المطاعم والمشارب التي حرَّمها الله, ويذهب عنهم ما كُلِّفوه من الأمور الشاقة فالذين صدَّقوا بالنبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم وأقروا بنبوته, ووقروه وعظَّموه ونصروه, واتبعوا القرآن المنزل عليه, وعملوا بسنته, أولئك هم الفائزون بما وعد الله به عباده المؤمنين.
· يعين المسلم على تحمل أعباء الدنيا ومتاعبها فمن يعيش في نور تعاليم الإسلام يسعد ويهنأ مهما كانت متاعبه لأنه يعلم أن أمره كله له خير مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ».(أخرجه مسلم) وخاصة إذا منَّ الله عليه بأن جعل القرآن ربيع قلبه، ونور صدره، عندئذٍ يجلي الله جميع همومه، ويذهب جميع أحزانه ..
· يطمئن القلب ويؤنس وحشة الروح قال الله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُون)َ [الأنعام : 125] ومن شرح الله صدره لنور الإسلام وابتعد عن ظلام المعاصي والذنوب فهو المطمئن قلباً، المشرق روحاً، الفَرِحُ بنعمة الله العظمى..
· تعهد الله بنشره رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين الذين يعشقون الظلام ويستفيدون منه ويكرهون النور الذي يكشف ضلالهم وباطلهم قال تعالى: ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة : 32] يريد الكفار بتكذيبهم أن يبطلوا دين الإسلام, ويبطلوا حجج الله وبراهينه على توحيده الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, ويأبى الله إلا أن يتم دينه ويظهره, ويعلي كلمته, ولو كره ذلك الجاحدون.
- يبدد ظلمات الكفر والشرك قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحديد : 9] أي: هو الذي ينزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم آيات مفصلات واضحات من القرآن؛ ليخرجكم بذلك من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان, إن الله بكم في إخراجكم من الظلمات إلى النور لَيَرْحمكم رحمة واسعة في عاجلكم وآجلكم، فيجازيكم أحسن الجزاء.
· يبدد ظلمات الجهل والضلال قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب : 43] أي: هو الذي يرحمكم ويثني عليكم وتدعو لكم ملائكته؛ ليخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الإسلام, وكان بالمؤمنين رحيمًا في الدنيا والآخرة, لا يعذبهم ما داموا مطيعين مخلصين له.
· يضيء للمسلم الدنيا والآخرة.. ففي الدنيا يعيش المسلم في نور تعاليمه فيحيا حياة طيبة وبعد الموت يجعل قبره روضةً منيرةً من رياض الجنة ويفسحه له مد بصره ويوم القيامة يمشي في نور إسلامه وإيمانه قال تعالى: ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الحديد : 12] أي: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم على الصراط بين أيديهم وعن أيمانهم, بقدر أعمالهم ويقال لهم: بشراكم اليوم دخول جنات واسعة تجري من تحت أشجارها الأنهار لا تخرجون منها أبدًا ذلك الجزاء هو الفوز العظيم لكم في الآخرة، هذا في حين يحرم من هذا النور غير المسلمين قال تعالى: ( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) [الحديد : 13] أي: يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا, وهم على الصراط: انتظرونا نستضئْ من نوركم, فتقول لهم الملائكة: ارجعوا وراءكم إلى الدنيا إن استطعتم فاطلبوا نورًا (سخرية منهم), فَفُصِل بينهم بسور له باب, باطنه مما يلي المؤمنين فيه الرحمة, وظاهره مما يلي المنافقين من جهته العذاب.
· يبدد ظلام الغفلة والرضى بمتاع الدنيا الزائل فبعد أن تحدث – تبارك وتعالى- عما يحبه الناس كثيراً من شهوات الدنيا- من نساء وأولاد وأموال كثيرة وممتلكات الدنيا وزخارفها...- قال تعالى: ( ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران : 14] أي: ذلك زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية. والله عنده حسن المرجع والثواب, وهو الجنَّة.
· يطرد الشقاء ويجلب السعادة في الدنيا والآخرة قال الله تعالى: ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه : 123] أي: فمن اتبع هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا, ويهتدي, ولا يشقى في الآخرة بعقاب الله. ومن تولَّى عن ذكري الذي أذكِّره به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة -وإن ظهر أنه من أهل الرياسة والأموال-، ويُضيَّق قبره عليه ويعذَّب فيه، ونحشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الحجة.
وهذا الذي ذكرته من خصائص أنوار الإسلام إنما هي إشارات محدودة، وغيض من فيض، فنور الإسلام الذي ينير الدنيا والآخرة لا يمكن احتواؤه في صفحات أو كتابات..
ولما كانت أعظم الأعمال والخدمات الإنسانية إضاءة شمعة تضيء الظلام أمام السائرين وتهدى الحيارى التائهين وتطمئن الفزعين الخائفين وتطرد طيور الظلام والحشرات والهوام، وتري الناس فساد المفسدين فيحذروهم .. يسرنا أن ندعو الجميع إلى الاستضاءة بنور الإسلام
وندعو الله أن يجعل في قلوبنا نوراً وفي أسماعنا نوراً وفي أبصرنا نوراً ومن أمامنا نوراً ومن خلفنا نوراً ومن تحتنا نوراً وفي قبورنا نوراً وعلى الصراط نوراً ويوم القيامة نوراً وأن يعظمَ لنا النور إنه كريمٌ غفور .